/ الفَائِدَةُ : (26) /
14/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مراتب اليقين والظَّنّ / ورد في بيانات الوحي اِستعمالٌ معرفيٌّ دقيقٌ وبديعٌ جِدّاً ليس بموجود في اِستعمالات الفِكْر البشريّ ، حاصله : أَنَّ كُلَّ يقينٍ ظنّ ومتشابه بلحاظ ما فوقه من مراتب اليقين الصَّاعدة ، وكذا الظَّنّ ؛ فإِنَّه علىٰ مراتب وأَنواع أَيضاً بعضها ممدوحة شرعاً وعقلاً ؛ وهي الَّتي تدعو إِلى الفحص والمعرفة والتَّنقيب عن الآخرة والحقيقة الأَزليَّة ، وتدعوا إِلى توسيع المسار العِلْمِيّ والمَعرفيّ ، وتسريع العجلة العلميَّة والمعرفيَّة ، واِسْتِكْشَاف الخفايا والمُغَيَّبَات والمجهولات ، وهذا ظنٌّ علميٌّ ومعرفيٌّ ممدوح شرعاً وعقلاً . والأُخرىٰ مذمومة شرعاً وعقلاً ، وهي الَّتي تدعو إِلى دار الدُّنيا والاِنشغال بها ، وتدعو إِلى الإِحْجَام والِابْتِعَاد عن توسِعَة رقعة دائرة العِلْم والمعرفة ، واِنْكِفَاء صاحبها عن الفحص والتَّنقيب العِلْمِيّ والمعرفيّ ؛ وعن الفحص عمَّا وراء حدود المعلومات ، وتُوقِعه في دائرة ضيِّقة ، وتدعو إِلى الشَّكِّ والرِّيبة . وإِلى الأَوَّل أَشَارت بيانات الوحي ، منها : بيان قوله عزَّ مَنْ قال : [الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ](1). وإِلى الثَّاني أَشَارت بياناته الْأُخْرَى ، منها : بیان قوله عَزَّ وَجَلَّ : [وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ](2). وإِلى كليهما أَشارت بياناته الْأُخْرَى ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في احتجاجه علىٰ الزنديق : «... وَأَمَّا قوله ... [الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ](3)... كذلك قوله: [مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ](4) يعني : مَنْ كان يُؤمن أَنَّه مبعوث فإِنَّ وعد الله لآت: من الثواب، والعقاب؛ فاللِّقاء ها هنا ليس بالرُّؤية، واللِّقاء هو: البعث ... وَأَمَّا قوله عَزَّ وَجَلَّ : [وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا](5) يعني: تيقَّنوا أَنَّهم داخلوها، وكذلك قوله : [إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ](6 )، وأَمَّا قوله عَزَّ وَجَلَّ ـ للمنافقين ـ [تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا](7) فهو: ظنُّ شكّ، وليس ظنُّ يقين، والظَّنُّ ظنَّان: ظنُّ شَكّ، وظنُّ يقين، فَمَا كان من أَمر المعاد من الظَّنِّ فهو ظنُّ یقین، وما كان من أَمر الدُّنيا فهو ظنُّ شَكّ ...»(8). ودلالته قد اِتَّضحت . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة: 46. (2) الجاثية: 24. (3) البقرة: 46. (4) العنكبوت: 5. (5) الكهف: 53. (6) الحاقة: 20. (7) الأَحزاب: 10. (8) الاحتجاج، 1/ احتجاج أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ علىٰ الزنديق في آي مُتشابهة : 363